الثلاثاء، 14 ديسمبر 2010

شرح حديث ( من أصبح آمناً في سربه )


الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله ، وبعد :


فقد روى الإمام الترمذي في سننه من حديث عبيد الله بن محصن الخطمي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من أصبح منكم آمناً في سربه ، معافى في جسده ، عنده قوت يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا )).

حيزت : أي جمعت .

قوله أصبح : أي أصبح في ذلك اليوم ، وفيه إشارة إلى أن المؤمن عليه ألا يحمل هم المستقبل ن فإن أمره بيد الله وهو الذي يدبر الأمور ويقدر الأقدار وعليه ان يحسن الظن بربه ويتفائل بالخير.

قوله : آمناً في سربه : قيل المعنى : في أهله وعياله ، وقيل : في مسكنه وطريقه ، وقيل : في بيته ن فهو آمن أن يقتله أحد أو يسرق بيته ، اوينتهك عرضه.
والأمن من اعظم نعم الله على عباده بعد نعمة الإيمان والإسلام ، ولا يشعر بهذه النعمة إلا من فقدها ، كالذين يعيشون في البلاد التي يختل فيها النظام والأمن ، أو الذين عاصروا الحروب الطاحنه التي تهلك الحرث والنسل فهم ينامون على أزيز الطائرات وأصوات المدافع ، ويضع الواحد منهم يده على قلبه ينتظر الموت في اي لحظة قال تعالى ( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ )).{الأنعام}.

وقد وعد الله المؤمنين بالأمن إن حققوا التوحيد وأخلصوا الإيمان ، وعملوا الصالحات ، قال تعالى ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)). [ النور ].

قوله معافى في بدنه : أي صحيحاً سالماً من العلل والأسقام ، روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ( اللهم إني أعوذ بك من البرص والجنون والجذام ، ومن سيئ الأسقام )).

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسال ربه صباحاً ومساءً هذه العافية في دينه ودنياه ونفسه وأهله وماله ، وأمر أصحابه بذلك ، روى الإمام أبو داود من حديث عبالله بن عمر رضي الله عنهما قال ( لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح ( اللهم إني أسألك العافيه في الدنيا والآخرة ، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي ...)) الحديث.

وروى الترمذي في سننه من حديث معاذ بن رفاعة عن أبيه قال : قام أبو بكر الصديق على المنبر ، ثم بكى ،فقال : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الأول على المنبر ثم بكى ، فقال ( سلوا الله العفو والعافيةفإن أحداً لم يُعط بعد اليقين خيراً من العافية )).

وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الكثير من الناس مفرط ومغبون في هذه النعمة ، وروى البخاري في صحيحه من حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم ( نعمتان مغبونفيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ )).

وأرشد النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى أغتنام الصحة قبل المرض ، وروى الحاكم في المستدرك من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( اغتنم خمساً قبل خمس.. وذكر منها :صحتك قبل سقمك )).
وكان ابن عمر رضي الله عنهما كما في صحيح البخاري يقول ( إذا أصبحت فلا تنتظر المساء ، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ، وخذ من صحتك لمرضك ، ومن حياتك لموتك )).

والذي يزور مستشفيات المسلمين ويرى ما ابتلى به إخوانه من الأمراض الخطيره التي عجز الطب
الحديث عن علاج بعضها ليحمد الله عزوجل صباحاً ومساءً على نعمة العافية ، وصدق الله إذ يقول ( وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ )){إبراهيم}.

قوله : (( عند قوت يومه ))، أي : قدر مايغديه ويعشيه ، والطعام من نعم الله العظيمة ،
قال تعالى( فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ )).{قريش}.

وكان عليه الصلاة والسلام يتعوذ بالله من الجوع ، روى أبو داود في سننه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ( اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً )).

ومما تقدم يتبين أن من اجتمعت له هذه الخصال الثلاث في يومه ، فكأنما ملك الدنيا كلها ، وقد اجتمع لكثيرمن الناس أضعاف أضعاف ماذكر في هذا الحديث ، ومع ذلك فهم منكرون لها ن محتقرون ماهم فيه ، فهم كما قال تعالى( يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ )) {النحل}.

وقال تعالى( أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ )){النحل}.

ودواء هذا الداء أن ينظر االمرء إلى من حرم هذه النعم ، أو بعضها ، كما أرشد إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال( انظروا إلى من أسفل منكم ، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم ، فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله)).

قال ابن جرير وغيره : هذا الحديث جامع لأنواع من الخير ، لأن الإنسان إذا رأى من فضل عليه في الدنيا طلبت نفسه مثل ذلك ، واستصغر ماعنده من نعمة الله ، وحرص على الازدياد ليلحق بذلك أويقاربه هذا هو الموجود في غالب الناس ، وأما إذا نظر في أمور الدنيا إلى من هو دونه فيها ظهرت له نعمة الله تعالى عليه ن فشكرها ، وتواضع وفعل فيه الخير.

روى مسلم في صحيحه من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ان رجلاً سأله فقال: ألسنامن فقراء المهاجرين ، فقال عبدالله : ألك امرأة تأوي إليها ؟ قال: نعم. قال : ألك مسكن تسكنه ؟ قال: نعم.
قال: فأنت من الأغنياء. قال فإن لي خادماً . قال : فأنت من الملوك.

والحمد لله رب العالمين ،و صلى الله وسلم على نبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق