في المعجزة الاقتصادية التركية، السياسة ثانياً وصندوق النقد الدولي خارجاً
بقلم اريبيان بزنس
تحت عنوان المعجزة الاقتصاديّة لحزب أردوغان، كتب أرنست خوري في صحيفة الأخبار اللبنانية عن إنجازات حزب العدالة والتنمية التركي على الصعيد الاقتصادي.
وفي ذلك يقول، حجر الزاوية الذي جعل من تركيا العائدة قوّة إقليمية عظمى، هو إنجازاتها الاقتصادية الهائلة المحسوبة على أداء حكومة حزب العدالة والتنمية.
هنا عيّنة عن المعجزة الاقتصادية لحزب رجب طيب أردوغان، التي تبرر له بنظر ناخبه ارتكاب الأخطاء في سياساته الأخرى كان الأداء الاقتصادي الفصل الأهم في قصّة نجاح حكومات حزب «العدالة والتنمية» الحاكم في تركيا منذ عام 2002، وهو ما يعلّق عليه حزب رجب طيب أردوغان الآمال ليكون الرافعة الشرعية لسياساته الأخرى، الخارجية منها والداخلية؛ فحكام أنقرة يعرفون عن ظهر قلب القاعدة الذهبية للحكم: حين يكون وضع الاقتصاد جيداً، سيتسامح الناخب مع السياسات الأخرى.
والسياسة الاقتصادية لـ«العدالة والتنمية» هي الليبرالية بكامل وصفاتها المتفلتة من أي قيود، مطعَّمة بشيء من سمات السياسات المحافظة؛ من خصخصة قطاعات الدولة، وزيادة الإنتاجية في مختلف القطاعات إلى حدها الأقصى، وتوظيف السياسة الخارجية لمصلحة تحسين وضع الدورة الاقتصادية التركية.
ومهما كان توصيف السياسات الاقتصادية للحزب اليميني المحافظ الحاكم في أنقرة، فقد حقّق إنجازات وضعت في خانة المعجزة الاقتصادية الأبرز في الألفية الثالثة حتى اليوم.
هي معجزة لأسباب عدة: أولاً، لأن «العدالة والتنمية» وصل إلى الحكم على صهوة الأزمة الاقتصادية الهائلة لعام 2001، التي أفقدت الليرة التركية الجزء الأكبر من قيمتها الشرائية، وأورثت الحكام الجدد اقتصاداً مهترئاً بسبب الوصفات الكارثية للبنك الدولي وصندوق النقد، اللذين كان وزير الاقتصاد كمال درويش أشبه بمندوبهما في أنقرة.
ثانياً، لأن الأزمة المالية العالمية الأكبر في تاريخ الرأسمالية حصلت في عهد أردوغان ورفاقه. ثالثاً، لأن أسعار النفط (الذي تعتمد عليه تركيا كلياً في كل وجوه دورتها الاقتصادية) كسرت الأرقام القياسية في عهد الإسلاميين المعتدلين الحاكمين أيضاً.
وبما أنّ الموضوع اقتصادي، قد يكون إيراد بعض الأرقام كافياً لشرح لماذا نجح «العدالة والتنمية» بـ4 استحقاقات انتخابية حتى الآن، 2 منها تشريعية (2002 و2007) و2 محلية بلدية (2004 و2009)، إضافة إلى فوزه باستفتاءين على تعديل الدستور (2007 و2010)، ولمعرفة لماذا من شبه المحسوم أن يحقق فوزاً كبيراً في انتخابات 12 حزيران المقبل، والأهم لفهم سبب توقع الحزب نفسه البقاء في الحكم حتى عام 2023 على الأقل.
وصل «العدالة والتنمية» إلى السلطة في تركيا وترتيب بلاده لا يتعدى الـ27 من ناحية أكبر الاقتصادات العالمية، ليصبح ترتيب الاقتصاد التركي اليوم يراوح بين المرتبتين 17 و16 عالمياً، والسادس أوروبياً، مع تسجيله أعلى نسبة نمو غير موجودة في أي اقتصاد أوروبي (7 في المئة).
جرت انتخابات 2002 حين كان الدولار الواحد يساوي مليوناً ونصف مليون ليرة تركية، ليصبح الدولار اليوم يساوي 1.6 ليرات تركية (بعد اختزال الأصفار وتثبيت سعر الليرة).
تسلم «العدالة والتنمية» قيادة البلاد ونسبة النمو تساوي 9.4 في المئة تحت الصفر (-9.4)، لتسجّل حكوماته أرقاماً أسطورية جعلت من حزبهم يحقّق اقتصادياً في غضون 9 سنوات من الحكم، أكثر مما تحقق في السنوات الـ79 الأولى من تأسيس الجمهورية التركية، إذ تنقّلت نسبة النمو من 5.9 في المئة عام 2003 فـ 9.99 في المئة في 2004 قبل أن ينخفض النمو بنحو صاعق إلى 1.1 في المئة خلال عام الأزمة المالية العالمية 2008.
لكن الشفاء حصل بسرعة هائلة أيضاً، بحيث بلغ النمو 8.9 في المئة عام 2010 ليستقر على 7 في المئة حالياً، وهي نسبة غير موجودة في أي من الدول الـ27 للاتحاد الأوروبي.
وهنا، يحلو للبعض التذكير بمحطات مفصلية من تاريخ «الإنجازات» الاقتصادية لـ«العدالة والتنمية»، فيشددون على سبيل المثال، على أنه، رغم قساوة الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد التركي، فإنّ أياً من المصارف العاملة على الأراضي التركية قد أقفلت بسببها.
بالنسبة إلى التضخم، انخفض من 70.8 في المئة في 2002 إلى 18.4 في المئة عام 2003 فـ 9.3 في المئة في 2004 و6.4 في المئة عام 2010، وصولاً إلى 3.99 في المئة في آذار 2011، وهو ما لم يحصل في تركيا منذ نصف قرن.
وعام 2009 مثلاً، كان لدى تركيا احتياطات من النقد الأجنبي أكبر بثلاثة أضعاف عما كانت عليه في عام 2002.
أضف أن حجم الاقتصاد التركي كان لا يتجاوز في مجموعه 250 مليار دولار أميركي في 2002، بينما اليوم تجاوز الناتج المحلي الإجمالي السنوي لتركيا 800 مليار دولار.
كذلك حال الدخل الفردي السنوي الذي يناهز اليوم 11 ألف دولار للفرد الواحد، بينما لم يكن يتعدَّى 3300 دولار عند وصول الحزب الحاكم إلى السلطة. ولأنّ الحزب الحاكم يدرك أن الاقتصاد يأتي أولاً وقبل كل شيء من ناحية هموم الناخب التركي، فقد خصص له الشق الأكبر في مشروعه الانتخابي العملاق (156 صفحة)، وفيه وعد بأن تصبح تركيا في غضون عام 2023 تحتل المرتبة العاشرة اقتصادياً في العالم (اليوم يراوح ترتيبها بين المرتبتين 16 و17)، وأن تكون إسطنبول (في غضون 2023) أحد أهم عشرة مراكز اقتصادية في العالم (حالياً تحتل المرتبة الـ27 من ناحية المدن الأكثر تأثيراً اقتصادياً في العالم)، وأن تصل قيمة الصادرات التركية إلى 500 مليار دولار سنوياً (اليوم تناهز 200 مليار)، وأن يصبح المعدل السنوي للدخل الفردي للمواطن التركي 25 ألف دولار.
نبوءة كمال درويش وتعويذاته
قبل وصول حزب العدالة والتنمية بفترة وجيزة إلى الحكم في تركيا، استشعر الوزير الأسبق للاقتصاد، كمال درويش، مهندس الاقتصاد الليبرالي التركي وصاحب الصيت الذائع في الدوائر الاقتصادية العالمية، الذي رشحه البعض لخلافة دومينيك شترواس ـــــ كان في صندوق النقد الدولي، خطر الإسلاميين، فأطلق نداءً تحذيرياً لم ينفع لتفادي «الكارثة الإسلامية».
قال درويش في حينها، بعدما شبّه أردوغان بهتلر، إنّه «إذا لم تُحَل الأزمة الاقتصادية، فستصل الرجعية (أي الإسلام السياسي) إلى السلطة».
ودرويش شخصية طبعت تاريخ تركيا لفترة طويلة، فهو منظّر النيوليبرالية الاقتصادية بأشرس صورها، والقيادي في حزب «اليسار الوسط» التركي، أي حزب الشعب الجمهوري.
يتحمل الرجل جزءاً كبيراً من مسؤولية الأزمة الاقتصادية التركية لعامي 2001 و2002، وعُرف برضوخه لشروط صندوق النقد والبنك الدولي اللذين أقرضا تركيا 15.7 مليار دولار بشروط باهظة. وهنا يتوقف البعض عند الفارق بين الإدارتين الاقتصاديتين لكمال درويش وحقبته من جهة، وسلوك «العدالة والتنمية» من جهة أخرى.
على سبيل المثال، لم يجد أردوغان حرجاً في إلغاء مفاوضات دامت أكثر من عام كامل مع صندوق النقد الذي كان ينوي إقراض تركيا 60 مليار دولار في عام 2009، قبل أن تلغي حكومة أنقرة المشروع برمّته عندما وضع صندوق النقد شروطاً وضعتها الحكومة في خانة «المس بالسيادة» التركية.
ومهما كان توصيف السياسات الاقتصادية للحزب اليميني المحافظ الحاكم في أنقرة، فقد حقّق إنجازات وضعت في خانة المعجزة الاقتصادية الأبرز في الألفية الثالثة حتى اليوم.
هي معجزة لأسباب عدة: أولاً، لأن «العدالة والتنمية» وصل إلى الحكم على صهوة الأزمة الاقتصادية الهائلة لعام 2001، التي أفقدت الليرة التركية الجزء الأكبر من قيمتها الشرائية، وأورثت الحكام الجدد اقتصاداً مهترئاً بسبب الوصفات الكارثية للبنك الدولي وصندوق النقد، اللذين كان وزير الاقتصاد كمال درويش أشبه بمندوبهما في أنقرة.
ثانياً، لأن الأزمة المالية العالمية الأكبر في تاريخ الرأسمالية حصلت في عهد أردوغان ورفاقه. ثالثاً، لأن أسعار النفط (الذي تعتمد عليه تركيا كلياً في كل وجوه دورتها الاقتصادية) كسرت الأرقام القياسية في عهد الإسلاميين المعتدلين الحاكمين أيضاً.
وبما أنّ الموضوع اقتصادي، قد يكون إيراد بعض الأرقام كافياً لشرح لماذا نجح «العدالة والتنمية» بـ4 استحقاقات انتخابية حتى الآن، 2 منها تشريعية (2002 و2007) و2 محلية بلدية (2004 و2009)، إضافة إلى فوزه باستفتاءين على تعديل الدستور (2007 و2010)، ولمعرفة لماذا من شبه المحسوم أن يحقق فوزاً كبيراً في انتخابات 12 حزيران المقبل، والأهم لفهم سبب توقع الحزب نفسه البقاء في الحكم حتى عام 2023 على الأقل.
وصل «العدالة والتنمية» إلى السلطة في تركيا وترتيب بلاده لا يتعدى الـ27 من ناحية أكبر الاقتصادات العالمية، ليصبح ترتيب الاقتصاد التركي اليوم يراوح بين المرتبتين 17 و16 عالمياً، والسادس أوروبياً، مع تسجيله أعلى نسبة نمو غير موجودة في أي اقتصاد أوروبي (7 في المئة).
جرت انتخابات 2002 حين كان الدولار الواحد يساوي مليوناً ونصف مليون ليرة تركية، ليصبح الدولار اليوم يساوي 1.6 ليرات تركية (بعد اختزال الأصفار وتثبيت سعر الليرة).
تسلم «العدالة والتنمية» قيادة البلاد ونسبة النمو تساوي 9.4 في المئة تحت الصفر (-9.4)، لتسجّل حكوماته أرقاماً أسطورية جعلت من حزبهم يحقّق اقتصادياً في غضون 9 سنوات من الحكم، أكثر مما تحقق في السنوات الـ79 الأولى من تأسيس الجمهورية التركية، إذ تنقّلت نسبة النمو من 5.9 في المئة عام 2003 فـ 9.99 في المئة في 2004 قبل أن ينخفض النمو بنحو صاعق إلى 1.1 في المئة خلال عام الأزمة المالية العالمية 2008.
لكن الشفاء حصل بسرعة هائلة أيضاً، بحيث بلغ النمو 8.9 في المئة عام 2010 ليستقر على 7 في المئة حالياً، وهي نسبة غير موجودة في أي من الدول الـ27 للاتحاد الأوروبي.
وهنا، يحلو للبعض التذكير بمحطات مفصلية من تاريخ «الإنجازات» الاقتصادية لـ«العدالة والتنمية»، فيشددون على سبيل المثال، على أنه، رغم قساوة الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد التركي، فإنّ أياً من المصارف العاملة على الأراضي التركية قد أقفلت بسببها.
بالنسبة إلى التضخم، انخفض من 70.8 في المئة في 2002 إلى 18.4 في المئة عام 2003 فـ 9.3 في المئة في 2004 و6.4 في المئة عام 2010، وصولاً إلى 3.99 في المئة في آذار 2011، وهو ما لم يحصل في تركيا منذ نصف قرن.
وعام 2009 مثلاً، كان لدى تركيا احتياطات من النقد الأجنبي أكبر بثلاثة أضعاف عما كانت عليه في عام 2002.
أضف أن حجم الاقتصاد التركي كان لا يتجاوز في مجموعه 250 مليار دولار أميركي في 2002، بينما اليوم تجاوز الناتج المحلي الإجمالي السنوي لتركيا 800 مليار دولار.
كذلك حال الدخل الفردي السنوي الذي يناهز اليوم 11 ألف دولار للفرد الواحد، بينما لم يكن يتعدَّى 3300 دولار عند وصول الحزب الحاكم إلى السلطة. ولأنّ الحزب الحاكم يدرك أن الاقتصاد يأتي أولاً وقبل كل شيء من ناحية هموم الناخب التركي، فقد خصص له الشق الأكبر في مشروعه الانتخابي العملاق (156 صفحة)، وفيه وعد بأن تصبح تركيا في غضون عام 2023 تحتل المرتبة العاشرة اقتصادياً في العالم (اليوم يراوح ترتيبها بين المرتبتين 16 و17)، وأن تكون إسطنبول (في غضون 2023) أحد أهم عشرة مراكز اقتصادية في العالم (حالياً تحتل المرتبة الـ27 من ناحية المدن الأكثر تأثيراً اقتصادياً في العالم)، وأن تصل قيمة الصادرات التركية إلى 500 مليار دولار سنوياً (اليوم تناهز 200 مليار)، وأن يصبح المعدل السنوي للدخل الفردي للمواطن التركي 25 ألف دولار.
نبوءة كمال درويش وتعويذاته
قبل وصول حزب العدالة والتنمية بفترة وجيزة إلى الحكم في تركيا، استشعر الوزير الأسبق للاقتصاد، كمال درويش، مهندس الاقتصاد الليبرالي التركي وصاحب الصيت الذائع في الدوائر الاقتصادية العالمية، الذي رشحه البعض لخلافة دومينيك شترواس ـــــ كان في صندوق النقد الدولي، خطر الإسلاميين، فأطلق نداءً تحذيرياً لم ينفع لتفادي «الكارثة الإسلامية».
قال درويش في حينها، بعدما شبّه أردوغان بهتلر، إنّه «إذا لم تُحَل الأزمة الاقتصادية، فستصل الرجعية (أي الإسلام السياسي) إلى السلطة».
ودرويش شخصية طبعت تاريخ تركيا لفترة طويلة، فهو منظّر النيوليبرالية الاقتصادية بأشرس صورها، والقيادي في حزب «اليسار الوسط» التركي، أي حزب الشعب الجمهوري.
يتحمل الرجل جزءاً كبيراً من مسؤولية الأزمة الاقتصادية التركية لعامي 2001 و2002، وعُرف برضوخه لشروط صندوق النقد والبنك الدولي اللذين أقرضا تركيا 15.7 مليار دولار بشروط باهظة. وهنا يتوقف البعض عند الفارق بين الإدارتين الاقتصاديتين لكمال درويش وحقبته من جهة، وسلوك «العدالة والتنمية» من جهة أخرى.
على سبيل المثال، لم يجد أردوغان حرجاً في إلغاء مفاوضات دامت أكثر من عام كامل مع صندوق النقد الذي كان ينوي إقراض تركيا 60 مليار دولار في عام 2009، قبل أن تلغي حكومة أنقرة المشروع برمّته عندما وضع صندوق النقد شروطاً وضعتها الحكومة في خانة «المس بالسيادة» التركية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق