خبرات الموهوبين المشهورين
الكاتب: د. حسنين الكامل
تركز الكثير من الدراسات العلمية على متابعة الشباب الذين يحصلون على درجات مرتفعة في الاختبارات التي تعقدها المدرسة أو الجامعة، بالرغم من أنهم لا يحققون في حياتهم المستقبلية نجاحاً أو تفوقاً، وقد لوحظ أن بعض الأفراد الناجحين في حياتهم لم يحققوا تفوقاً في مدارسهم ولا في جامعاتهم. وقد يرجع السبب في ذلك إلى عدم قدرة هذه الاختبارات على التنبؤ بالنجاح والتفوق في الحياة. وحينما نبحث في السير الذاتية عن معلومات لمراحل الطفولة والمدرسة لهؤلاء الذين كان لهم دور في تشكيل عالمنا المعاصر، نجد أنه لا توجد قائمة يمكن أن تجمع كل الأفراد المشهورين أو البارزين وذلك لعدم الاتفاق على محكات معينة لاختيارهم. ولكن أحد المحكات التي يمكن أن تُستخدم للحصول على مثل هذه القائمة هو مستوى الشهرة وشغف واهتمامات الجماهير بهم، والمحك الآخر هو أحكام الخبراء لقيمة الإنجاز الفردي الذي حققه هذا الفرد. لقد تم اختيار هذه المحكات بالنسبة لعينة من الأفراد البارزين الذين عاشوا في القرن العشرين، ودُرست السير الذاتية لعدد كبير منهم من مكتبات عامة في كندا وأمريكا ومن شبكة الإنترنت ومن بعض المجلات العالمية مثلTime & Life ، وبعد دراسة السير الذاتية لهؤلاء الأفراد لوحظ أنه لم يتمتع أحد منهم بطفولة سعيدة، ومعظمهم كانت لهم خبرات سيئة مع مدارسهم وصلت إلى درجة كره المدرسة، وعدد ليس بقليل منهم كان أحد والديه على الأقل من المكافحين والطموحين وذو رأي واضح، وكثير منهم كانت لهم وجهات نظر غير تقليدية، كما أنّ معظم الوالدين وخصوصا الأمهات كانت لهم أدوار مهمة في حياة أطفالهم. لقد كان معظمهم من عائلات متوسطة أو غنية، وبعض الآباء كانت لديهم مشاكل وظيفية أو أسرية، وجميعهم كانت له بداية مبكرة في العمل وبطريقة مضنية، وكانوا يحصلون على مساعدة من أصدقاء مخلصين. ومن أقوال أصحاب الأعمال المشهورين عن المدرسة: " كنا نذهب إلى المدرسة لأنه كان يلزم أن نفعل ذلك، لم يكن هناك سبباً يدعو إلى أخذ الموضوع بجدية، فالمدرسة تقوم بتدريس كثير من العلوم وأشياء غير عملية وغير مفيدة لنا، إنها مضيعة للوقت أن تذهب للمدرسة أو حتى أن تحصل على الدكتوراه في الاقتصاد من إحدى الجامعات.
من هؤلاء المشهورين البارزين " توم موناغان Tom Monaghan" صاحب بيتزا كنج “Pizza King” توفي والده حينما كان عمره 4 سنوات وفشلت أمه في تربيته وتركته في دار ديني للبنين وبعد ذلك في دار إيواء و كان يطلق على مدرسته (سجن) وعلى رفقاء الفصل (نزلاء السجن) حتى كاد أن يكون أحد الرهبان. وكان" راي كروك Ray Kroc" صاحب المطعم الشهير McDonald يكره المدرسة وخصوصا مادة الجبر، وترك المدرسة بناءً على رغبة والديه وأصبح بائعا لـلمشروبات وأظهر مقدرة عالية على الالتزام بالعمل. أما الفنان المشهور "والت دزني Walt Disney"، فكان يضربه أباه وهو صغير وكان يحصل على قليل من التشجيع على الرسم من أسرته وترك المدرسة حينما تعثرت تجارة والده. والمخرج السينمائي "وودي ألين Woody Allen" فحصل على تقدير ضعيف في مقرر صناعة السينما، وكان يهرب من المدرسة دائماً للذهاب إلى السينما وطلب مدير مدرسته من أمه أن تذهب به إلى طبيب نفسي. والملياردير "بيل جيتس "Bill Gatesلم يكن صبورا مع الآخرين الذين ليسوا في سرعته في التفكير وخصوصاً معلميه وكان أداؤه جيدا حينما التحق بمدرسة خاصة بالصفوة وأنشغل بتجارة بسيطة حينما كان في المدرسة الثانوية وترك الجامعة وأنشغل بتجارة برامج الكمبيوتر وحذره والده من مغبة ترك الكلية وأن النجاح لن يكون حليفه أبدا إذا فعل ذلك.
ومع كل ذلك فإن هناك حالات كثيرة وخبرات جيّدة لشباب كانت الأسرة والمدرسة والجامعة خير معين لهم في تفوقهم وشهرتهم، أمثال "ستيف وزنياك Steve Wozniak " أحد صانعي جهاز أبل Apple Computer والذي كان مغرماً بأجهزة الكمبيوتر، وقام بصناعة الكمبيوتر الشخصي بسبب رغبته الشخصية في الحصول على جهاز، وقد قام بتخريب أجهزة الكمبيوتر بالمدرسة، وكان يحصل على مساعدة قوية من والده ومن معلم تكنولوجيا المعلومات بالمدرسة. ومن منا لا يعرف شبكة الانترنت العالمية WWW والتى أخترعها " تيم بيرنرز لي "Tim Berners-Lee" لقد كان والده من علماء الرياضيات والبرمجيات، قاما بتشجيعه على صناعة الكمبيوتر من الكرتون وكان حديث مائدة العشاء عن الأعداد التخيلية والرياضة النظرية وقام بصناعة جهاز كمبيوتر من جهاز تليفزيون قديم حينما كان طالباً بجامعة أكسفورد عام 1976. ورئيس شبكة البريد الالكتروني Yahoo " جيرى يانج Jerry Yang " توفي والده وهو صغير وبدأ في كتابة الحروف الصينية وعمره ثلاث سنوات ورحلت أمه إلى أمريكا عندما كان عمره خمس سنوات للتدريس بإحدى الكليات و لم يحصل على تقدير أقل من ممتاز طوال حياته المدرسية. وتقابل " جيري يانج " مع زميله " ديفيد فيليو David Filo " الذى حصل على درجة البكالوريوس في علم الكمبيوتر. وكانت دراسة الدكتوراه بالنسبة لـ "فيليو" عمل شديد البغض ووافقه "يانج" في القيام بأي عمل ما عدا دراسة الدكتوراه. وكانت بداية "ياهو" مجرد هواية لصفحة على "الويب" وحينما اشتهرت "ياهو" وبدأت في الانطلاق قرر كل من فيليو ويانج ترك دراسة الدكتوراه وكتابة الخطط التجارية لصفحات الويب بما تحتويه من كتب ثم توصلا إلى الاقتناع الكامل بأنهما يؤديان خدمات إنسانية مطلوبة. أما " ميخائيل ديل Michael Dell" صاحب شركة "ديل" لأجهزة الكمبيوتر. حصل على عمل في مطعم حينما كان عمره 12 عاما و في المدرسة الثانوية وأشترك في نادي لحل المسائل الرياضية والتنافس في المباريات الرياضية وحصل على أول جهاز كمبيوتر في حياته حينما كان عمره 15 عاماً، وقام بتحويله إلى أجزاء مما أثار غضب والديه. و"ليري بيج وسيرجي برين Larry Page & Sergey Brin" حصلا على درجة الدكتوراه من جامعة ستانفورد، وكان "Google" هو مشروع التخرج للدكتوراه. بالاضافة الى العالِم العربي أحمد زويل الحاصل على جائزة نوبل في الكيمياء عام 2009 أشار إلى أن «البيئة الحافزة» كما أسماها، كانت سر نجاحه. لقد كان الوحيد مع ثلاث أخوات، وكان والداه بسيطين ولكنهما يملكان رؤية واضحة في تربية ابنهما. كتب والداه عبارة (الدكتور. أحمد زويل) وعلقت في غرفته وهو طفل صغير. أحمد زويل يلخص رسالته في عبارة واحدة "لابد من البدء وفورا في إعادة بناء المجتمع العلمي، والطريق إلى ذلك باكتشاف الموهوبين في فروع العلوم المختلفة ".
هكذا نرى أن الموهبة موجودة لدى الأطفال والشباب من كل المجموعات الثقافية وعبر مختلف الطبقات الاجتماعية والاقتصادية وفى كل مجالات السعي الإنساني وأن الموهوبين هم الأطفال أو الشباب ذوى الموهبة الفذة والذين يظهرون القدرة على الأداء بمستويات عالية بشكل ملحوظ عندما تتم مقارنتهم بآخرين في نفس أعمارهم أو خبراتهم أو بيئاتهم. ولهؤلاء الأطفال والشباب قدرات عالية في الأداء في المجالات العقلية والإبداعية والفنية، كما أن لديهم قدرة غير عادية على القيادة وقد يتفوقوا في مجالات أكاديمية معينة. ولا يوجد شك في ضرورة رعاية الموهبة لدى جميع التلاميذ، فوظيفة المدرسة في معظم المجتمعات كما تحدد بالقرارات والأنظمة التربوية هي منح جميع التلاميذ الفرصة للتعلم وإمكانات التدريب المختلفة لكل المستويات التعليمية وطبقاً لقدرات ومواهب المتعلمين. وفي المجال العقلي يعني ذلك، أن على المدرسة أن تقدم لكل طفل إمكانية التعامل مع المهام التي تتمشى مع سعة قدراته إلى أعلى درجة ممكنة. فالشباب الموهوب يحتاج إلى خدمات أو أنشطة لا تتوفر عادةً في المدارس أو الجامعات. فمنهج التعليم العام في معظم الدول يفتقر لعنصر التحدي وعدم التكيف مع قدرات هؤلاء الموهوبين مع عدم توفر البرامج الخاصة لهم كما أن الفرص الملائمة أثناء الدراسة تتسم بالتشتت وعدم التنسيق، ولا تفي المقررات الدراسية بحاجاتهم.
ويواجه المعلمون في التعليم العام تحديات كبيرة بسبب عدم إعدادهم لتدريس الطلاب الموهوبين مع اتساع نطاق قدرات وحاجات التلاميذ في فصولهم، وقد لا يشعر بعض المعلمين بالارتياح للعمل مع الطلاب الذين لديهم قدرات عالية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق